أشهر الجواسيس :
عبر التاريخ ، كانت لهم بصمات واضحة ........
بصمات ربما لم يرها أ حد في حينهـا ، ولكنهـا كانت عظيمة الأثر
في تاريخ البشر كله ...
عاشوا حياة غامضــة ...
قاتلـــة ...
مخيفــة...
وسريــة ...
كل منهم عاش في سبيل ما آمن به ...
وقاتل من أجله ...
ومات ليحميه ...
وعلى الرغم من أن عالمهم السري لم يسمح لنا بمعرفتهـــم يومـاً ، إلا أنهم كانوا الأبرع والأشهر في مضمارهم ...
كانوا ...
أشهر الجواسيس ...
على الإطلاق .
المخـــادع ..
بين كل صفحات كتاب الجاسوسية ، الذي وضع المصريون القدامى
مقدمته منذ آلاف السنين ويمده العالم كله بمداد لا ينتهي ، حتى يومنا
هذا ، وإلى أن يشــاء الله ( سبحانه وتعالى ) لا بـــد وأن تبرز تــلك الصفحة ، والخاصة جداً ، والتي تحمل اسم ( فريتز كودرز )..
فعلى الرغم من أن ( كودرز ) النمساوي الجنسية ، لم يكن يشـبه أية
صورة ، يمكن أن تصنعها الأذهان لشخصية الجاسوس ، مع جسد ه
الممتلئ ، وقامتـــه القصيرة ، وشعـــره المجعــد ، وأنفه الضخم ، و ابتسامته اللزجة ..
وعلى الرغم من تاريخه الحافل بصفقات تجارية وهمية ، و الكثيـــر من الرشاوي و الفساد،وبيع بطاقات الهوية المزورة، فإن (كود رز)
كان يحمل صفة لا تنافس قط ..
إنه الجاسوس الوحيد ، في التاريخ كله ، الذي خــــــدع كل أجهـــزة
المخــــابرات في عصــره ، ثم خرج من كل هذا مثـل الشعـــرة من العجين كما يقولون ...
ولقد بدأ تاريخ ( فريتز كود رز) في عالم الجاسوسية ، مع بدايــــات
عام 1939م ، وقبل أشهـر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الـثانية ،
عندما التقـطه رجل المخابرات الألماني (تورخول) وراح يتابـــــع
سفرياته المتعددة لمعظم دول ( أوروبا ) و حتيالاته المتقنة في شتى
المجالات ، قبل أن يرشحه، و بمنتهى الحماسة للعمل تحت رياسته
في جهاز المخابرات الألماني ...
والواقع أنها كانت خطوة جريئة ومدهشة من ( تورخول ) ، خاصـة
و أن ( كودرز ) كــان نتاج زواج قصــــير ، بين أم يهوديـــة و أب كاثوليكي ، أي أنه كان واحداً من الفئات المطاردة ، والمغضـــــوب
عليها بشدة ، في ذلك اعهد النازي ..
ولكن يبدو أن ( تورخول ) كان موهوباً في فن التسويق والإقنــاع ،
فعلى الرغم من هـذه المؤاخذة شديدة الخطورة ، تم قبول ( كودرز )
كعميل المخابرات الألمانية ، وكشخص مؤتمن ، في الحصول علـى
المعلومات ، من الجبهة السوفيتية ...
الشيء الذي لم ينتبه إليه أحد ، ولا حتى ( كود رز) نفسه في البدايـة
هو أن الولاء الحقيقي للثعلب ( تورخول ) لم يكن يتجه إلى النازية ،
بأية حال من الأحوال ...
لقد كان ولاؤه بالكامل للمخابرات السوفيتية ...
وهكذا بدأ ( كود رز) حياته ، في عالم الجاسوسية كجاسوس مزدوج
منذ اللحظة الأولى ...
ولقد التقط رجال المخابرات السوفيتية هذا الخيط ببراعة منقطعـــــة النظير ، واجتمع قاد تهم لدراسة الأمر،والبحث عن الوسيلة المثلــى للاستفادة من رجل مثل ( كود رز ) .
ومن المؤكد أن دراستهم واجتماعاتهم قد استغرقــت وقتاً طويــــــلاً
للغاية ، إذ إنها لم تنته بإقرار موقف ( فريتز كود رز) فحسب، وإنما
بوضع الأسس العريضـــة لأضخم مؤامـــرة تجسس سوفيتية ، فــي تاريخ الحرب العالمية الثانية كلها ...
وفي المخابرات الألمانية حمل ( كود رز ) الاسم السري ( ريتشارد
كلات ) وانطلق لجمع المعلومات ، من كافة دول ( أوروبا ) ، التـي
لم تعلن حالة الحرب بعد ، على ( ألمانيا ) ومواطنيها ...
وكخطوة أولـــى فــي المؤامـرة السوفيتية ، وفي ســبيـل تثبيت أقدام
( كود رز ) ، في المخابرات السوفيتية ، راح الســـوفيت يغمـــرون
جاســـوسهم بمعلومات عسكـــرية و اقتصادية صحيحة ليقدمهــــا للمخابرات الألمانية ، التي انبهرت بما تحصل عليه ، وسال لعابهـــا
لما يأتي به (كود رز ) ، حتى إنها اعتبرته جاسوساً فـريداً ، وأخذت
تمنحه الكثير من الأموال والمكافآت ...
ولمن ( كود رز ) لم يكن يسعى للمال ...
لقد كان هدف أكثر أهمية وخطورة ألا وهو الحصول على "شهــادة
انتماء للجنس الآري ... "
وبالنسبة لرجل نصف يهودي مثل ( كود رز) ، في زمن نازي كهذا
كانت شهادة الانتماء للجنس الآري ، والتي تعني أنه قد تم فحصـــه
ودراسته ، والتأكد من أنه لا يمثل خطرأً على ( ألمانيا ) النازيـــة ،
بمثابة وثيقة أمان وحياة ...
ولكن ما من مسئول واحد أمكنه أن يمنحه هذه الشهادة ... مهما كان ما فعله ...
باختصار ، كان من المستحيل تماماً أن يحصل عليها شخـــص لـــه
انتماء يهودي ...
أدنى انتماء ...
ولكن المخابرات الألمانية أمكنها أن تعوضه عن هذه الشهادة بمزية
أخرى وهي منحه بطاقة خاصة تسهل تعاملاته مع البوليس السري
النازي ( الجستابو ) ، الذي كان مجرد ذكر اسمه ، في تلك الفترة ،
يكفي لبث الرعب ، في لقب أشجع وأقوى الرجال ...
ومع غزارة ودسامة وصحة معلوماته ، صدر قرار بتعيينه رسميـــاً
في جهاز المخابرات الألماني ، استثناء من القانون ، الذي يحظــــر
أي شخص من أصول يهودية إليه ،باعتباره على حد قولهم جاسوساً من ذهب ..
وبناء على هذا طلب ( كود رز) من المخابرات الألمانية إرساله إلى ( صوفيا ) في ( بلغاريا ) ، مع جهاز إرسال خاص ، يتيح لــــه نقل
المعلومات مباشرة ، دون الحاجة إلى وسطاء ...
ومنذ بدايات 1942م ، انهالت المعلومـــات من ( كود رز ) ، عبــر جهاز الإرسال حاملة أدق أسرار السوفيت ،على نحو بالغ الخطورة
أتاح للجيش الألماني تحقيق انتصارات تكتيكية رائعة، أثارت انبهار
وإعجاب قادة النازية ، على نحو لم يسبق له مثيل ...
وأصبح ( كود رز ) بالفعل جاسوساً من ذهب ، في نظر الجميع ...
الأمر الذي لم يخطر بالبال ، أو يتصوره أحد ، ولو للحظة واحدة ، هو أن السوفيت ، وبقلـــوب بـاردة كثلوجهم ، قد قرروا التضحيـــة بكتائب كاملة ، ومعدات غالية وعشرات من الجنود والضباط ، في سبيل وضع جاسوسهم ( كود رز ) في موقع مناسب ، يتيح لهــــــم
تحقيق الهدف من المؤامرة ...
وإلى أقصى حد ...
وفي أواخر شتاء 1942م ، أبلغ ( كود رز ) المخابرات الألمانيـــة بمعلومات بالغة الخطورة ، تقول : إن السوفيت سيهاجمون الجيـش
السادس الألماني في ( ستالينجــراد ) ، وأن أوامر صارمـــة مــــن
( ستالين ) نفسه بالصمود إلى أقصى حد ممكن ، مهما كان الثمن ...
وتدعيماً للمعلومة ، أرســل ( كود رز ) عــدد الــوحدات العسكريــة السوفيتية المشاركة في الهجـوم ، وخطــة إرســال بعض الوحــدات العسكرية المحمولة ليلاً ، عبر نهر ( الفولجا ) ، وأسماء الجنـرالات
المسئولين عن مهاجمة وطرد الألمان من المدينة ...
وكل هذا بنــاءً - حسب قوله – على معلومات ترد إليه ، من مصادر متصلة بكبار قادة السوفيت ، وتمتد إلى ( ستالين ) نفسه ...
وكانت هذه واحدة من أبرع النقاط ،في هذه المؤامرة السوفيتية فعلى
الرغم من أن المعلومات كانت صحيحة ودقيقة تماماً ، فإنها أغفلــت
الإشارة إلى أن الهجوم السوفيتي لم يكن يستهدف ضــــرب الجيــش
الألماني السادس عشرة مباشرة ، ولكن إلى القيام بحركة التفــــــاف
ضخمة ، لضرب شرق وغرب ( ستالينجــراد ) ، وتحطيم الجبهات
الهنجارية والرومانية الضعيفة ، المتحالفة مع الألمان ، ثم حصـــار
وتطويق الجيش الألماني السادس ...
وخلال شهر واحد من الحصار ، انهارت مقاومـة الجيـش السادس ،
وقوامه ربع مليون ألماني ، واستسلم من تبقى منهم للجيش السوفيتي الذي حقق واحداً من أعظم انتصاراته ، عبر تاريخ الحرب ...
ومع تلك الهزيمة الساحقة تصاعدت بعض الأصوات التي تعبـر عن الشك في ولاء ( فريتز كود رز ) وفي انتماءاته الألمانية ،بل واتهمه
البعض صراحة بأنه جاسوس سوفيتي ...
ومرة أخرى تجلت براعة المخابــرات السوفيتية ، وحنكة وموهبـــة ( تورخل ) الذي أقنع الجميع بأن المعلومات التي أرسلها ( كودرز )
سليمة تماماً ...
وأن الخطأ يكمن فيمن قاموا بدراستها وتحليلها ...
ولأن التفسير كان منطقياً للغاية ...
ولأن ( تورخل) كان ثعلباً في مضماره ، فقد أمكن أن يكسب الجولة
وأن يحافظ على الثقة ، التي تمنحهــا المخابرات الألمــانية لعميلهـــا ( كود رز ) ...
وقد استمرت هذه الثقة إلى عام 1944م ...
ففي هذا العام أبلغ (كود رز) المخابرات الألمانية أن قيادة السوفييـت
قد اتخذت قراراً بالقيام بهجوم عسكـري ضخــم ، يستهــدف تشتيـت
الجيش الألماني في جنوب ( أوكرانيا ) ...
وبناء على هذه المعلومة الخطيرة ، ونظراً لدقـــة المعلومــات التــي
يرسلها ( كود رز ) حشدت ( ألمانيا ) قواتها في جنوب ( أوكرانيا)،
استعداد ً لصد الضربة السوفيتية القاصمة ...
ثم وقع الهجوم السوفيتي ...
ولكن ليس في الجنوب ...
لقد هوى كالصاعقة على الجبهة الوسطى من الجيش الألماني ، على بعد أكثر من ستمائة كيلومتر من الهدف المتوقع ...
وكانت صاعقة مدمرة بحق ...
نصف مليون جندي ألماني لقوا مصرعهم ، في هذا الهجوم ...
أنهار من الدم الروسي سالت على الثلوج السوفيتية ...
وانكسر وسط الجيش الألماني ...
انكسر ،حتى إنه لم تقم له قائمة أخرى حتى شق السوفييت طريقهــم
إلى قلب ( برلين ) فيما بعد ...
وكان من الطبيعي والحال هكذا ، أن يعاد تقييـم مــوقف ( كود رز )
بأكمله ...
ومع المراجعة الدقيقة المتخصصة ، راحت عشرات الحقائق تظهــر
على نحو مخيف وغير متوقع ...
فالتقارير تقول إن ( كود رز ) يقوم بعمليات تجارية و صفقـات مــن تحت أنف السلطات الألمانية ...
طبيعته اليهودية غلبته ودفعته إلى تقديم عشرات الرشاوي للسلطات
الأمنية الهنجارية ، للتجاوز عن أعماله غير المشروعة ...
ثم انتبهت بعض العقول المتفتحة إلى أمـر سبقتهـــا إليه عقول مكتب المخابرات البريطاني ، منذ عامين على الأقل ...
فالمعلومـــات التي حصـــل عليها الألمان عن طريــــق ( كود رز ) ساعدتهـــم في توجيــــه عشـــرات الضـــربات فـي الماضي للقوات السوفيتية ، على نحو كان لابد وأن يستفز السوفييت ويرشـــدهم فـي
وضوح إلى وجود ثغرة كبيرة في أجهزتهم الأمنية ، تتسرب منهــــا
المعلومات على نحو مخيف ...
والعقول السوفيتية التي تربت على الخداع والتآمر كان باستطاعتها التوصل إلى هذه النقطة في سهولة ...
وعلى الرغم من هذا فإن أحداً لن يبد اهتماماً أو قلقاً في هذا الشأن!!
فماذا يمكن أن يعنيه هذا ؟!
إنه يعني وبكل وضوح ، أن السوفييت كانوا ،على نحو آخر يعلمون بأمر تسرب المعلومات هذا ...
بل ويريدونه ...
وهكذا وبناء على تلك المعلومات والاستنتاجات الخطيرة قرر رجال
المخابرات الألمانية أن ( كود رز ) جاسوس سوفييتي ...
وصدر الحكم بالقضاء عليه فوراً ...
ولكن يبدو أن العوامل كلها تتضافر لإنقاذ (فريتز كود رز ) ...
ففي الوقت الذي صدر فيه القرار ، حدثت محاولة اغتيــال ( هتلر )
الفاشلة ، في يوليو 1944م ...
وبعد نجاته من محاولة الاغتيال ، التي اشترك فيها مسئولون بجهاز المخابرات الألماني أصدر( أدولف هتلر ) قراره بحل وإسقاط جهاز
المخابرات الألماني ،وبأن يتولى جهاز المخابرات النازي سلطاته و
يحل محله ...
ومع سقوط المخابرات الألمانية ،سقط معها ملف ( كود رز) كله ...
والعجيب أن الجهاز المخابرات النازي احتضن ( كود رز) واعتبره
جاسوساً فريداً وتم نقله إلى مكتب المخابرات في ( هنجاريا) كوسيلة
للتحايل على القانون ، الذي يحظر تعيين كل من ينتهي إلى أصـــول
يهودية في جهاز المخابرات ...
ولكن الأمر بلغ هتلر نفسه ...
وفي غمرة غضبه أصدر الفوهلر الألماني قراراً باعتقال (كود رز).
وارتبك رجال المخابرات النازية ، الذين ما زالــوا يتصــــورون أن
( كود رز ) من أفضل جواسيسهم ...
واحتاج الأمر إلى تدخل الجنرال ( هانز جودريان ) ،رئيس الأركان العامة بنفسه لتحويل الأمر من الاعتقال إلى التحفظ المحدود في أحد
السجون العسكرية الألمانية كوسيلة للحفــاظ على حيــاة ( كود رز )
فحسب ...
وفي مايو 1945م وعندما بدأت ( ألمانيا ) مرحلة الانهيار الفعلي ،
فوجئ ( كود رز) بزيارة من آخر شخص يتوقع رؤيته (تورخول)..
ودون أن يلقي ( كود رز) سؤالاً واحداً ، تبع ( تورخول) إلى خارج
السجن ،واستقل معه سيارة خاصة إلى ( النمسا ) وهناك أبلغه رجل
المخابرات الألماني أن الحرب قد أوشكت على نهايتها ، وأن عليهما
الفرار من وجه الزحف الأمريكي السوفيتي ، بأي ثمن كان ...
وفي ( النمسا ) ، افترق الرجلان ...
وكانت آخر مرة يرى فيها أحدهما الآخر ...
وسقطت ( ألمانيا ) بالفعل ...
استسلم جيشها ، وانتحر قائدها ، وانهزم جنرالاتها ...
ومرة أخرى ، ألقي القبض على ( كود رز ) ...
وفي هذه المرة أصبح في قبضة الأمريكيين الذين اعتبروه جـاسوس
نازياً بالغ الخطورة ...
وهنا أثبت ( كود رز ) أنه ثعلب حقيقي ...
وربما أكثر من ( تور خول ) نفسه ...
فهو لم ينجح في إقناع الأمريكيين بإطلاق ســراحه فحســـب وإنمـــا جعلهم يسندون إليه بعض المهام الخاصة بخداع مـخابرات السوفيت
أيضاً ...
ووقع السوفييت في الخدعة ...
وتعاملوا مع ( كود رز ) باعتبــاره رجلهــم ، فــــي حين اقتنص هو معلوماتهم ، وقدمها على طبق من ذهب للأمريكيين ...
وكان ( تور خول ) هو أول من هذا الأمر ، وأبلغه للسوفييت ،الذين جن جنونهم ، وقرروا الانتقام من ( كود رز) بأي ثمن ...
وفي فبراير 1946م قامت مجموعة من رجال المخابرات السوفيتية
يرتدون ثياب رجال البوليس الأمريكي بمحاولة لاختطاف (كودرز)
في قلب ( فيينا ) ...
ولكن المحاولة باءت بالفشل ...
فبوسيلة ما عرف رجال المخابرات الأمريكية بأمرالخطة قبل ساعة
واحدة من موعدها ، فتدخلوا في الوقت المناسب لإحباطها ...
وتم إنقاذ ( كود رز) بأعجوبة ...
وعلى الرغم من نجاته فقد التقط ( كودرز)الرسالة وفهم مضمونها..
وفي اليوم التالي مباشرة ، اختفى وعلى الرغم من إحاطته بحراســة
قوية ، اختفى ( كود رز ) تماماً !!
لا أحد يدري كيف أمكنه ، بقامته القصيرة ،وجسمه الممتلئ الإفلات
من رجال الحراسة المحترفين ولكن يبدو أن الجميع قد انشغلوا بمنع أي شخص من الوصول إليه حتى أنهم لم يتخذوا أيـــــة احتياطـــات لمنعه هو من الفرار ...
واشتعل غضب الطرفين ، الأمريكيين و السوفييت ، وراح كلاهمــا يبحث عن الجاسوس المختفي ، الذي لم يظهر له أدنى أثر ، وكأنمــا
انشقت الأرض وابتلعته ، أو تلاشى من الوجود تماماً ...
وبعد أن فشلت كل المحاولات وعجز الجميع عن العثور عليه ظهر (كودرز) بغتة في (فيينا) ليعرض خدمته على المخابرات الأمريكية
وفي هذه المرة ، قوبل طلبه بالرفض التـــام ، واتخذ المسئول بعض
الخطوات الحذرة ، للإيقاع به واستجوابه ، و...
ولكن (كودرز) اختفى مرة أخرى بغتة، قبل أن يصل رجال الأمن .
وكان اختفاؤه أكثر غموضاً وأثار الحيرة هذه المرة ...
ولم يتقبل الأمريكيون الأمر بسهولة ...
لقد انطلقوا في غضب هادر ، يقلبون الأرض شبراً شبراً ، بحثاً عن
ذلك الجاسوس البدين الذي يخدع الجميع بمنتهى اليسر والسهولة ..
ولكن ( كود رز ) حقق المعادلة الصعبة واختفى تماماً في هذه المرة أيضاً ، كما لو أنه لم يوجد من قبل قط ...
وجه صفعة جديدة لجهاز مخابرات جديد واختفى من الوجود تماماً..
حتى يومنا هذا ...
فعلى الرغم من كل المحاولات السوفيتية والأمريكية ، والبريطانيــة أيضاَ ، لم يتم العثور على أثر واحد له ...
وكانت هذه أكبر وأقوى مؤامرة في تاريخه ...
المؤامرة التي جعلت منه جاسوساً فريداً ...
وغامضاً ...
إلى الأبد ...
* * *
إلى اللقاء في العدد القادم : ( الأول .. ) .
عبر التاريخ ، كانت لهم بصمات واضحة ........
بصمات ربما لم يرها أ حد في حينهـا ، ولكنهـا كانت عظيمة الأثر
في تاريخ البشر كله ...
عاشوا حياة غامضــة ...
قاتلـــة ...
مخيفــة...
وسريــة ...
كل منهم عاش في سبيل ما آمن به ...
وقاتل من أجله ...
ومات ليحميه ...
وعلى الرغم من أن عالمهم السري لم يسمح لنا بمعرفتهـــم يومـاً ، إلا أنهم كانوا الأبرع والأشهر في مضمارهم ...
كانوا ...
أشهر الجواسيس ...
على الإطلاق .
المخـــادع ..
بين كل صفحات كتاب الجاسوسية ، الذي وضع المصريون القدامى
مقدمته منذ آلاف السنين ويمده العالم كله بمداد لا ينتهي ، حتى يومنا
هذا ، وإلى أن يشــاء الله ( سبحانه وتعالى ) لا بـــد وأن تبرز تــلك الصفحة ، والخاصة جداً ، والتي تحمل اسم ( فريتز كودرز )..
فعلى الرغم من أن ( كودرز ) النمساوي الجنسية ، لم يكن يشـبه أية
صورة ، يمكن أن تصنعها الأذهان لشخصية الجاسوس ، مع جسد ه
الممتلئ ، وقامتـــه القصيرة ، وشعـــره المجعــد ، وأنفه الضخم ، و ابتسامته اللزجة ..
وعلى الرغم من تاريخه الحافل بصفقات تجارية وهمية ، و الكثيـــر من الرشاوي و الفساد،وبيع بطاقات الهوية المزورة، فإن (كود رز)
كان يحمل صفة لا تنافس قط ..
إنه الجاسوس الوحيد ، في التاريخ كله ، الذي خــــــدع كل أجهـــزة
المخــــابرات في عصــره ، ثم خرج من كل هذا مثـل الشعـــرة من العجين كما يقولون ...
ولقد بدأ تاريخ ( فريتز كود رز) في عالم الجاسوسية ، مع بدايــــات
عام 1939م ، وقبل أشهـر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الـثانية ،
عندما التقـطه رجل المخابرات الألماني (تورخول) وراح يتابـــــع
سفرياته المتعددة لمعظم دول ( أوروبا ) و حتيالاته المتقنة في شتى
المجالات ، قبل أن يرشحه، و بمنتهى الحماسة للعمل تحت رياسته
في جهاز المخابرات الألماني ...
والواقع أنها كانت خطوة جريئة ومدهشة من ( تورخول ) ، خاصـة
و أن ( كودرز ) كــان نتاج زواج قصــــير ، بين أم يهوديـــة و أب كاثوليكي ، أي أنه كان واحداً من الفئات المطاردة ، والمغضـــــوب
عليها بشدة ، في ذلك اعهد النازي ..
ولكن يبدو أن ( تورخول ) كان موهوباً في فن التسويق والإقنــاع ،
فعلى الرغم من هـذه المؤاخذة شديدة الخطورة ، تم قبول ( كودرز )
كعميل المخابرات الألمانية ، وكشخص مؤتمن ، في الحصول علـى
المعلومات ، من الجبهة السوفيتية ...
الشيء الذي لم ينتبه إليه أحد ، ولا حتى ( كود رز) نفسه في البدايـة
هو أن الولاء الحقيقي للثعلب ( تورخول ) لم يكن يتجه إلى النازية ،
بأية حال من الأحوال ...
لقد كان ولاؤه بالكامل للمخابرات السوفيتية ...
وهكذا بدأ ( كود رز) حياته ، في عالم الجاسوسية كجاسوس مزدوج
منذ اللحظة الأولى ...
ولقد التقط رجال المخابرات السوفيتية هذا الخيط ببراعة منقطعـــــة النظير ، واجتمع قاد تهم لدراسة الأمر،والبحث عن الوسيلة المثلــى للاستفادة من رجل مثل ( كود رز ) .
ومن المؤكد أن دراستهم واجتماعاتهم قد استغرقــت وقتاً طويــــــلاً
للغاية ، إذ إنها لم تنته بإقرار موقف ( فريتز كود رز) فحسب، وإنما
بوضع الأسس العريضـــة لأضخم مؤامـــرة تجسس سوفيتية ، فــي تاريخ الحرب العالمية الثانية كلها ...
وفي المخابرات الألمانية حمل ( كود رز ) الاسم السري ( ريتشارد
كلات ) وانطلق لجمع المعلومات ، من كافة دول ( أوروبا ) ، التـي
لم تعلن حالة الحرب بعد ، على ( ألمانيا ) ومواطنيها ...
وكخطوة أولـــى فــي المؤامـرة السوفيتية ، وفي ســبيـل تثبيت أقدام
( كود رز ) ، في المخابرات السوفيتية ، راح الســـوفيت يغمـــرون
جاســـوسهم بمعلومات عسكـــرية و اقتصادية صحيحة ليقدمهــــا للمخابرات الألمانية ، التي انبهرت بما تحصل عليه ، وسال لعابهـــا
لما يأتي به (كود رز ) ، حتى إنها اعتبرته جاسوساً فـريداً ، وأخذت
تمنحه الكثير من الأموال والمكافآت ...
ولمن ( كود رز ) لم يكن يسعى للمال ...
لقد كان هدف أكثر أهمية وخطورة ألا وهو الحصول على "شهــادة
انتماء للجنس الآري ... "
وبالنسبة لرجل نصف يهودي مثل ( كود رز) ، في زمن نازي كهذا
كانت شهادة الانتماء للجنس الآري ، والتي تعني أنه قد تم فحصـــه
ودراسته ، والتأكد من أنه لا يمثل خطرأً على ( ألمانيا ) النازيـــة ،
بمثابة وثيقة أمان وحياة ...
ولكن ما من مسئول واحد أمكنه أن يمنحه هذه الشهادة ... مهما كان ما فعله ...
باختصار ، كان من المستحيل تماماً أن يحصل عليها شخـــص لـــه
انتماء يهودي ...
أدنى انتماء ...
ولكن المخابرات الألمانية أمكنها أن تعوضه عن هذه الشهادة بمزية
أخرى وهي منحه بطاقة خاصة تسهل تعاملاته مع البوليس السري
النازي ( الجستابو ) ، الذي كان مجرد ذكر اسمه ، في تلك الفترة ،
يكفي لبث الرعب ، في لقب أشجع وأقوى الرجال ...
ومع غزارة ودسامة وصحة معلوماته ، صدر قرار بتعيينه رسميـــاً
في جهاز المخابرات الألماني ، استثناء من القانون ، الذي يحظــــر
أي شخص من أصول يهودية إليه ،باعتباره على حد قولهم جاسوساً من ذهب ..
وبناء على هذا طلب ( كود رز) من المخابرات الألمانية إرساله إلى ( صوفيا ) في ( بلغاريا ) ، مع جهاز إرسال خاص ، يتيح لــــه نقل
المعلومات مباشرة ، دون الحاجة إلى وسطاء ...
ومنذ بدايات 1942م ، انهالت المعلومـــات من ( كود رز ) ، عبــر جهاز الإرسال حاملة أدق أسرار السوفيت ،على نحو بالغ الخطورة
أتاح للجيش الألماني تحقيق انتصارات تكتيكية رائعة، أثارت انبهار
وإعجاب قادة النازية ، على نحو لم يسبق له مثيل ...
وأصبح ( كود رز ) بالفعل جاسوساً من ذهب ، في نظر الجميع ...
الأمر الذي لم يخطر بالبال ، أو يتصوره أحد ، ولو للحظة واحدة ، هو أن السوفيت ، وبقلـــوب بـاردة كثلوجهم ، قد قرروا التضحيـــة بكتائب كاملة ، ومعدات غالية وعشرات من الجنود والضباط ، في سبيل وضع جاسوسهم ( كود رز ) في موقع مناسب ، يتيح لهــــــم
تحقيق الهدف من المؤامرة ...
وإلى أقصى حد ...
وفي أواخر شتاء 1942م ، أبلغ ( كود رز ) المخابرات الألمانيـــة بمعلومات بالغة الخطورة ، تقول : إن السوفيت سيهاجمون الجيـش
السادس الألماني في ( ستالينجــراد ) ، وأن أوامر صارمـــة مــــن
( ستالين ) نفسه بالصمود إلى أقصى حد ممكن ، مهما كان الثمن ...
وتدعيماً للمعلومة ، أرســل ( كود رز ) عــدد الــوحدات العسكريــة السوفيتية المشاركة في الهجـوم ، وخطــة إرســال بعض الوحــدات العسكرية المحمولة ليلاً ، عبر نهر ( الفولجا ) ، وأسماء الجنـرالات
المسئولين عن مهاجمة وطرد الألمان من المدينة ...
وكل هذا بنــاءً - حسب قوله – على معلومات ترد إليه ، من مصادر متصلة بكبار قادة السوفيت ، وتمتد إلى ( ستالين ) نفسه ...
وكانت هذه واحدة من أبرع النقاط ،في هذه المؤامرة السوفيتية فعلى
الرغم من أن المعلومات كانت صحيحة ودقيقة تماماً ، فإنها أغفلــت
الإشارة إلى أن الهجوم السوفيتي لم يكن يستهدف ضــــرب الجيــش
الألماني السادس عشرة مباشرة ، ولكن إلى القيام بحركة التفــــــاف
ضخمة ، لضرب شرق وغرب ( ستالينجــراد ) ، وتحطيم الجبهات
الهنجارية والرومانية الضعيفة ، المتحالفة مع الألمان ، ثم حصـــار
وتطويق الجيش الألماني السادس ...
وخلال شهر واحد من الحصار ، انهارت مقاومـة الجيـش السادس ،
وقوامه ربع مليون ألماني ، واستسلم من تبقى منهم للجيش السوفيتي الذي حقق واحداً من أعظم انتصاراته ، عبر تاريخ الحرب ...
ومع تلك الهزيمة الساحقة تصاعدت بعض الأصوات التي تعبـر عن الشك في ولاء ( فريتز كود رز ) وفي انتماءاته الألمانية ،بل واتهمه
البعض صراحة بأنه جاسوس سوفيتي ...
ومرة أخرى تجلت براعة المخابــرات السوفيتية ، وحنكة وموهبـــة ( تورخل ) الذي أقنع الجميع بأن المعلومات التي أرسلها ( كودرز )
سليمة تماماً ...
وأن الخطأ يكمن فيمن قاموا بدراستها وتحليلها ...
ولأن التفسير كان منطقياً للغاية ...
ولأن ( تورخل) كان ثعلباً في مضماره ، فقد أمكن أن يكسب الجولة
وأن يحافظ على الثقة ، التي تمنحهــا المخابرات الألمــانية لعميلهـــا ( كود رز ) ...
وقد استمرت هذه الثقة إلى عام 1944م ...
ففي هذا العام أبلغ (كود رز) المخابرات الألمانية أن قيادة السوفييـت
قد اتخذت قراراً بالقيام بهجوم عسكـري ضخــم ، يستهــدف تشتيـت
الجيش الألماني في جنوب ( أوكرانيا ) ...
وبناء على هذه المعلومة الخطيرة ، ونظراً لدقـــة المعلومــات التــي
يرسلها ( كود رز ) حشدت ( ألمانيا ) قواتها في جنوب ( أوكرانيا)،
استعداد ً لصد الضربة السوفيتية القاصمة ...
ثم وقع الهجوم السوفيتي ...
ولكن ليس في الجنوب ...
لقد هوى كالصاعقة على الجبهة الوسطى من الجيش الألماني ، على بعد أكثر من ستمائة كيلومتر من الهدف المتوقع ...
وكانت صاعقة مدمرة بحق ...
نصف مليون جندي ألماني لقوا مصرعهم ، في هذا الهجوم ...
أنهار من الدم الروسي سالت على الثلوج السوفيتية ...
وانكسر وسط الجيش الألماني ...
انكسر ،حتى إنه لم تقم له قائمة أخرى حتى شق السوفييت طريقهــم
إلى قلب ( برلين ) فيما بعد ...
وكان من الطبيعي والحال هكذا ، أن يعاد تقييـم مــوقف ( كود رز )
بأكمله ...
ومع المراجعة الدقيقة المتخصصة ، راحت عشرات الحقائق تظهــر
على نحو مخيف وغير متوقع ...
فالتقارير تقول إن ( كود رز ) يقوم بعمليات تجارية و صفقـات مــن تحت أنف السلطات الألمانية ...
طبيعته اليهودية غلبته ودفعته إلى تقديم عشرات الرشاوي للسلطات
الأمنية الهنجارية ، للتجاوز عن أعماله غير المشروعة ...
ثم انتبهت بعض العقول المتفتحة إلى أمـر سبقتهـــا إليه عقول مكتب المخابرات البريطاني ، منذ عامين على الأقل ...
فالمعلومـــات التي حصـــل عليها الألمان عن طريــــق ( كود رز ) ساعدتهـــم في توجيــــه عشـــرات الضـــربات فـي الماضي للقوات السوفيتية ، على نحو كان لابد وأن يستفز السوفييت ويرشـــدهم فـي
وضوح إلى وجود ثغرة كبيرة في أجهزتهم الأمنية ، تتسرب منهــــا
المعلومات على نحو مخيف ...
والعقول السوفيتية التي تربت على الخداع والتآمر كان باستطاعتها التوصل إلى هذه النقطة في سهولة ...
وعلى الرغم من هذا فإن أحداً لن يبد اهتماماً أو قلقاً في هذا الشأن!!
فماذا يمكن أن يعنيه هذا ؟!
إنه يعني وبكل وضوح ، أن السوفييت كانوا ،على نحو آخر يعلمون بأمر تسرب المعلومات هذا ...
بل ويريدونه ...
وهكذا وبناء على تلك المعلومات والاستنتاجات الخطيرة قرر رجال
المخابرات الألمانية أن ( كود رز ) جاسوس سوفييتي ...
وصدر الحكم بالقضاء عليه فوراً ...
ولكن يبدو أن العوامل كلها تتضافر لإنقاذ (فريتز كود رز ) ...
ففي الوقت الذي صدر فيه القرار ، حدثت محاولة اغتيــال ( هتلر )
الفاشلة ، في يوليو 1944م ...
وبعد نجاته من محاولة الاغتيال ، التي اشترك فيها مسئولون بجهاز المخابرات الألماني أصدر( أدولف هتلر ) قراره بحل وإسقاط جهاز
المخابرات الألماني ،وبأن يتولى جهاز المخابرات النازي سلطاته و
يحل محله ...
ومع سقوط المخابرات الألمانية ،سقط معها ملف ( كود رز) كله ...
والعجيب أن الجهاز المخابرات النازي احتضن ( كود رز) واعتبره
جاسوساً فريداً وتم نقله إلى مكتب المخابرات في ( هنجاريا) كوسيلة
للتحايل على القانون ، الذي يحظر تعيين كل من ينتهي إلى أصـــول
يهودية في جهاز المخابرات ...
ولكن الأمر بلغ هتلر نفسه ...
وفي غمرة غضبه أصدر الفوهلر الألماني قراراً باعتقال (كود رز).
وارتبك رجال المخابرات النازية ، الذين ما زالــوا يتصــــورون أن
( كود رز ) من أفضل جواسيسهم ...
واحتاج الأمر إلى تدخل الجنرال ( هانز جودريان ) ،رئيس الأركان العامة بنفسه لتحويل الأمر من الاعتقال إلى التحفظ المحدود في أحد
السجون العسكرية الألمانية كوسيلة للحفــاظ على حيــاة ( كود رز )
فحسب ...
وفي مايو 1945م وعندما بدأت ( ألمانيا ) مرحلة الانهيار الفعلي ،
فوجئ ( كود رز) بزيارة من آخر شخص يتوقع رؤيته (تورخول)..
ودون أن يلقي ( كود رز) سؤالاً واحداً ، تبع ( تورخول) إلى خارج
السجن ،واستقل معه سيارة خاصة إلى ( النمسا ) وهناك أبلغه رجل
المخابرات الألماني أن الحرب قد أوشكت على نهايتها ، وأن عليهما
الفرار من وجه الزحف الأمريكي السوفيتي ، بأي ثمن كان ...
وفي ( النمسا ) ، افترق الرجلان ...
وكانت آخر مرة يرى فيها أحدهما الآخر ...
وسقطت ( ألمانيا ) بالفعل ...
استسلم جيشها ، وانتحر قائدها ، وانهزم جنرالاتها ...
ومرة أخرى ، ألقي القبض على ( كود رز ) ...
وفي هذه المرة أصبح في قبضة الأمريكيين الذين اعتبروه جـاسوس
نازياً بالغ الخطورة ...
وهنا أثبت ( كود رز ) أنه ثعلب حقيقي ...
وربما أكثر من ( تور خول ) نفسه ...
فهو لم ينجح في إقناع الأمريكيين بإطلاق ســراحه فحســـب وإنمـــا جعلهم يسندون إليه بعض المهام الخاصة بخداع مـخابرات السوفيت
أيضاً ...
ووقع السوفييت في الخدعة ...
وتعاملوا مع ( كود رز ) باعتبــاره رجلهــم ، فــــي حين اقتنص هو معلوماتهم ، وقدمها على طبق من ذهب للأمريكيين ...
وكان ( تور خول ) هو أول من هذا الأمر ، وأبلغه للسوفييت ،الذين جن جنونهم ، وقرروا الانتقام من ( كود رز) بأي ثمن ...
وفي فبراير 1946م قامت مجموعة من رجال المخابرات السوفيتية
يرتدون ثياب رجال البوليس الأمريكي بمحاولة لاختطاف (كودرز)
في قلب ( فيينا ) ...
ولكن المحاولة باءت بالفشل ...
فبوسيلة ما عرف رجال المخابرات الأمريكية بأمرالخطة قبل ساعة
واحدة من موعدها ، فتدخلوا في الوقت المناسب لإحباطها ...
وتم إنقاذ ( كود رز) بأعجوبة ...
وعلى الرغم من نجاته فقد التقط ( كودرز)الرسالة وفهم مضمونها..
وفي اليوم التالي مباشرة ، اختفى وعلى الرغم من إحاطته بحراســة
قوية ، اختفى ( كود رز ) تماماً !!
لا أحد يدري كيف أمكنه ، بقامته القصيرة ،وجسمه الممتلئ الإفلات
من رجال الحراسة المحترفين ولكن يبدو أن الجميع قد انشغلوا بمنع أي شخص من الوصول إليه حتى أنهم لم يتخذوا أيـــــة احتياطـــات لمنعه هو من الفرار ...
واشتعل غضب الطرفين ، الأمريكيين و السوفييت ، وراح كلاهمــا يبحث عن الجاسوس المختفي ، الذي لم يظهر له أدنى أثر ، وكأنمــا
انشقت الأرض وابتلعته ، أو تلاشى من الوجود تماماً ...
وبعد أن فشلت كل المحاولات وعجز الجميع عن العثور عليه ظهر (كودرز) بغتة في (فيينا) ليعرض خدمته على المخابرات الأمريكية
وفي هذه المرة ، قوبل طلبه بالرفض التـــام ، واتخذ المسئول بعض
الخطوات الحذرة ، للإيقاع به واستجوابه ، و...
ولكن (كودرز) اختفى مرة أخرى بغتة، قبل أن يصل رجال الأمن .
وكان اختفاؤه أكثر غموضاً وأثار الحيرة هذه المرة ...
ولم يتقبل الأمريكيون الأمر بسهولة ...
لقد انطلقوا في غضب هادر ، يقلبون الأرض شبراً شبراً ، بحثاً عن
ذلك الجاسوس البدين الذي يخدع الجميع بمنتهى اليسر والسهولة ..
ولكن ( كود رز ) حقق المعادلة الصعبة واختفى تماماً في هذه المرة أيضاً ، كما لو أنه لم يوجد من قبل قط ...
وجه صفعة جديدة لجهاز مخابرات جديد واختفى من الوجود تماماً..
حتى يومنا هذا ...
فعلى الرغم من كل المحاولات السوفيتية والأمريكية ، والبريطانيــة أيضاَ ، لم يتم العثور على أثر واحد له ...
وكانت هذه أكبر وأقوى مؤامرة في تاريخه ...
المؤامرة التي جعلت منه جاسوساً فريداً ...
وغامضاً ...
إلى الأبد ...
* * *
إلى اللقاء في العدد القادم : ( الأول .. ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق